كيف أسلم كل القساوسة في الكنيسة على يد أبا اليزيد


النص مقتطف من فيديو للشيخ كشك رحمه الله

مدينة البصرة في العراق وفي ليلة من الليالي كان أبا اليزيد نائما حتى ناداه مناد يقول له قم وتوضأ واذهب الليلة الى دير النصارى وسترى من اياتنا عجبا .. فنهض وتوضأ وذهب..

عندما دخل الدير عليهم بعد صلاة الفجر أوقف القسيس الكلام قائلا لا أتكلم وبيننا رجل محمدي (أي مسلم) قالو له وكيف عرفت؟ قال .. سيماهم في وجوههم .. فطلبو من أبا اليزيد الخروج لكنه لم يشأ الخروج حتى يحكم الله بينهم فقال له البابا..
 سنسألك 11 سؤالا ان لم تجبنا على سؤال منه لن تخرج من هنا حيا .. 
فوافق أبا اليزيد ..

قال القسيس .. 
  • ما هو الواحد الذي لا ثاني له؟
  • وما هما الاثنان اللذان لا ثاني لهما؟
  • ومن هم الثلاثة الذين لا رابع لهما؟
  • ومن هم الأربعة الذين لا خامس لهما؟
  • ومن هم الخمسة الذين لا سادس لهما؟
  • ومن هم الستة الذين لا سابع لهما؟
  • ومن هم السبعة الذين لا ثامن لهما؟
  • ومن هم الثمانية الذين لا تاسع لهما؟
  • ومن هم التسعة الذين لا عاشر لهما؟
  • وما هي العشرة التي لا تقبل الزيادة؟
  • وما هم الأحد عشر أخا؟
  • وما هي المعجزة المكونة من اثني عشر شيئا؟
  • ومن هم الثلاثة عشر الذين لا رابع عشر لهم؟
  • وما هو الشيء الذي يتنفس ولا روح فيه؟
  • وما هو القبر الذي سار بصاحبه؟
  • ومن هم الذين كذبوا ودخلوا الجنة؟
  • ومن هو الشيء الذي خلقه الله وأنكره؟
  • وما هو الشيء الذي خلقه الله واستعظمه؟
  • وما هي الأشياء التي خلقها الله بدون أب و أم؟
  • وما هو تفسير الذاريات ذروا .. الحاملات وقرا .. ثم ما الجاريات يسرا والمقسمات أمرا؟
  • وما هي الشجرة التي لها اثنا عشر غصنا وفي كل غصن 30 ورقة وفي كل ورقة 5 ثمرات ثلاث منها بالظل واثنان منها بالشمس؟
أجب يا أبا اليزيد ..

فأجابه بكل ثقة وثبات ..

  • الواحد الذي لا ثاني له هو الله سبحانه وتعالى ..
  • والاثنان اللذان لا ثالث لهما الليل والنهار ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) ..
  • والثلاثة الذين لا رابع لهم أعذار موسى مع الخضر في إعطاب السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ..
  • والأربعة الذين لا خامس لهم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم ..
  • والخمسة الذين لا سادس لهم الصلوات المفروضة ..
  • والستة التي لا سابع لهم هي الأيام التي خلق الله تعالى بها الكون وقضاهن سبع سماوات في ستة ايام فقال له البابا ولماذا قال في آخر الاية (وما مسنا من لغوب) ؟
  • فقال له : لأن اليهود قالوا أن الله تعب واستراح يوم السبت فنزلت الاية ..
  • أما السبعة التي لا ثامن لهم هي السبع سموات (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى من خلق الرحمن من تفاوت) ..
  • والثمانية الذين لا تاسع لهم هم حملة عرش الرحمن (ويحمل عرش ربك يومئذٍ ثمانية) ..
  • والتسعة التي لا عاشر لها وهي معجزات سيدنا موسى عليه السلام .. فقال له البابا اذكرها !
  • فأجاب أنها اليد والعصا والطمس والسنين والجراد والطوفان والقمل والضفادع والدم ..
  • أما العشرة التي تقبل الزيادة فهي الحسنات (من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها والله يضاعف الأجر لمن يشاء) ..
  • والأحد عشر الذين لا ثاني عشر لهم هم أخوة يوسف عليه السلام ..
  • أما المعجزة المكونة من 12 شيئا فهي معجزة موسى عليه السلام (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنا عشر عينا) ..
  • أما الثلاثة عشرة الذين لا رابع عشر لهم هم إخوة يوسف عليه السلام وأمه وأبيه ..
  • أما الاربع عشر شيئا اللتي كلمت الله فهي السماوات السبع والاراضين السبع (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)
  • وأما الذي يتنفس ولا روح فيه هو الصبح (والصبح إذا تنفس) ..
  • أما القبر الذي سار بصاحبة فهو الحوت الذي التقم سيدنا يونس عليه السلام ..
  • وأما الذين كذبوا ودخلوا الجنة فهم إخوة يوسف عليه السلام عندما قالوا لأبيهم ذهبنا لنستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ، وعندما انكشف كذبهم قال أخوهم (لا تثريب عليكم) وقال أبوهم يعقوب (سأستغفر لكم) .. أما اللذين صدقوا ودخلوا النار فقال له إقرأ قوله تعالى (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) (وقالت النصارى ليست اليهود على شئ) ..
  • وأما الشيئ الذي خلقه الله وأنكره فهو صوت الحمير (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) ..
  • وأما الشيء الذي خلقه الله واستعظمه فهو كيد النساء (إن كيدهن عظيم) ..
  • وأما الأشياءالتي خلقها الله وليس لها أب أو أم فهم آدم عليه السلام ، الملائكةالكرام ، ناقة صالح ، وكبش اسماعيل عليهم السلام .. ثم قال له إني مجيبك على تفسير الايات قبل سؤال الشجرة ..
  • فمعنىالذاريات ذروا هي الرياح أما الحاملات وقرا فهي السحب التي تحمل الأمطار وأما الجاريات يسرا فهي الفلك في البحر أما المقسمات أمرا فهي الملائكة المختصه بالارزاق والموت وكتابة السيئات والحسنات .. وأما الشجرة التي بها اثنا عشر غصنا وفي كل غصن ثلاثين ورقة وفي كل ورقة خمس ثمرات ثلاث منها بالظل واثنان منها بالشمس ، فالشجرة هي السنة والأغصان هي الأشهر والأوراق هي أيام الشهر والثمرات الخمس هي الصلوات وثلاث منهن ليلا واثنتان منهن في النهار ..
وهنا تعجب كل من كانوا في الكنيسة فقال له ابو اليزيد إني سوف أسألك سؤالا واحدا فأجبني إن إستطعت فقال له البابا اسأل ما شئت فقال : ما هو مفتاح الجنة ؟ 

عندها ارتبك القسيس وتلعثم وتغيرت تعابير وجهة ولم يفلح في إخفاء رعبه ، وطلبوا منه الحاضرين بالكنيسة أن يرد عليه ولكنه رفض فقالوا له لقد سألته كل هذه الاسئلة وتعجز عن رد جواب واحد فقط فقال إني أعرف الإجابة ولكني أخاف منكم فقالوا له نعطيك الأمان فأجاب عليه ، فقال القسيس الإجابة هي : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله !! 

وهنا أسلم القسيس وكل من كان بالكنيسة ، فقد من الله تعالى عليهم وحفظهم بالإسلام وعندما آمنوا بالله حولوا الدير إلى مسجد يذكر فيه اسم الله ..



من هارون أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم

من هارون أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على المصطفى الكريم اما بعد

في هذه الأسطر المعدودة سنكتشف واياكم قصة من التاريخ لنعتبر بها ونستحضر شرفا وهمة شرف الله بها أجدادنا حينما حملوا هم علو الاسلام على أعتاقهم. انها قصة هارون الرشيد رحمه الله مع نقفور كلب الروم.

في عهد حكم هارون الرشيد عرف أحس الروم بضعفهم امام الجيوش الضاربة للامبراطورية الاسلامية وانتشار غزواتها فلم تستطع ملكتهم انذاك مجابهتهم فأعلنت الصلح مع المسلمين وقبلت بشرط أداء الجزية سنويا سنة 181 ه .. 797 م وظلت الاتفاقية قائمة حتى تولى نقفور امبراطور الروم الحكم سنة 186ه  802م فنقد العهد وأرسل رسالة الى هارون الرشيد قائلا فيها.. "من نقفور ملك الروم الى ملك العرب. اما بعد فان الملكة ايريني التي كانت قبلي أقامتك مكان الأخ فحملت اليك من أموالها لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن. فاذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل اليك من أموالها. واقتد نفسك. والا فالحرب بيننا وبينك".

فلما قرأها هارون احمر وجهه وثار كالفرس وغضب غضبا شديدا فرد اليه رسالته وكتب على ظهرها كلمات صغيرة تضرب بسمعة الروم عرض الحائط وتستصغرهم الى منزلة الكلاب اسمع هذه الكلمات "من هارون أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة. والجواب ما تراه لا ما تسمعه. والسلام"
وخرج هارون بنفسه على رأس الجيوش حتى نزل بهرقلة قرب القسطنطينية وأقامم عليها وقامت معركة سحق فيها الروم سحقا فدمر هارون وقتل في الكفار أكثر من أربعين ألفا حتى أعاد لكلب الروم رشده وقبل بالجزية.

فيا رب أعد لنا من مثلهم نفر .. يشيد لنا مجدا بأيدينا أضعناه

قصة التأريخ الهجري


التأريخ الهجري
باسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين أما بعد:
كان الناس يؤرخون عبر غابر الأزمان بالأحداث المشهورة لديهم، فالفرس مثلا كانوا يؤرخون بتولي ملوكهم، فكلما تولى ملك جديد فيبدؤون يؤرخون منذ توليهم. و كانت الروم تؤرخ بغزوات إسكندر المقدوني و كانوا يؤرخون بميلاده.
و كذلك العرب كان لديهم مثل هذا التأريخ؛ كالتأريخ  لمولد النبي صلى الله عليه و سلم بحادثة عام الفيل.
و لم يكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم تأريخ محدد في حياته صلى الله عليه و سلم، و إنما كانوا يؤرخون بالأحداث المشهورة لديهم، فيقال قبل غزوة أحد بكذا و قبل غزوة الخندق بكذا ...
فلما كانت خلافة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الذي فتح على يده الكثير من البلدان، صار يولى على كل بلد صحابي رضوان الله عليه، فترد على عمر ابن الحطاب رضي الله عنه كتب من شتى البلدان بتواريخ مختلفة. ثم راسل أبو موسى الأشعري عمر رضي الله عنهما: "يا أمير المومنين إنه يصل إلينا منك كتب فيها شهر كذا و كذا، و نحن لا ندري أي شهر تعني". عندها جمع عمر رضي الله عنه الصحابة الكرام و فيهم اهل بدر و فيهم الحكماء و العقلاء و العلماء و طلب منهم أن يتفقوا على تاريخ يجتمعون عليه.
و منهم من اقترح التأريخ بأعظم حدث ألا و هو مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال بعضهم يا أمير المومنين أرخ بتأريخ الفرس، و قال بعضهم أرخ بتأريخ الروم.
و في الأخير عرض عمر رضي الله عنه عليهم بين أن يؤرخوا من مولد النبي صلى الله عليه و سلم أو من مبعثه عليه الصلاة و السلام أو  من هجرته أو من وفاته عليه الصلاة و السلام. فأشار عليه عثمان و أشار عليه علي رضي الله عنهما و أشار عليه عدد كبير من الصحابة بأن يؤرخوا بهجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و هكذا أصبح المسلمون يؤرخون بالتاريخ الهجري منذ متم ألف سنة تقريبا، حتى كان قبل مئتي سنة تحديدا لما احتاج السلطان العثماني إلى تحديث و تطوير الجيش فراسل كل من فرنسا و إنجلترا و بلجيكا في أن يمدوه بخبراء و بعض الأسلحة، فاشترطوا عليه أن يلغي التاريخ الهجري فأبى في البداية، لاكن اضطر بعد ذلك و وافق، فأقبلوا إليه  فساعدوه.
و كذلك بالنسبة إلى مصر لما احتاجت ذهبا كي تفتح قناة السويس، راسلت هته الدول الغربية، فاشترطت عليها ستة شروط من بينها إلغاء التاريخ الهجري فوافقت.
و ذلك أن هته الدول تعي جيدا خطورة وحدة الأمة الإسلامية و تأريخها بتاريخ موحد فسعوا جميعا إلى أن يلغوا هذا التاريخ.
و بالفعل قد أصابوا هدفهم، إذ الكثير من الناس لا يعلم التاريخ الهجري الذي نحن فيه في حين يعلم جيدا التاريخ الهجري. و الكثير أيضا و أنا متأكد أنه لا يعلم أننا على أبواب حلول السنة الهجرية الجديدة.
فلنعد لديننا مردا جميلا، و لنحيي هته السنة الجديدة بالقراءة عن رسولنا الحبيب صلى الله عليه و سلم و نعلم سيرته لأولادنا و أحفادنا.

قصة بني إسرائيل مع البقرة

قصة بني إسرائيل مع البقرة

قصة بني إسرائيل مع البقرة

خلاصة القصة

وهذه القصة خلاصتها: أنها وقعت جريمة قتل في بني إسرائيل في زمن موسى، ولم يعرف القاتل، وتدافعوا في ذلك وصارت الاتهامات متبادلة، وأراد الله تعالى أن يكشف لهم القاتل بواسطة معجزة مادية محسوسة، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرةٍ، أي بقرة كانت بدون تحديدٍ لمواصفاتها، ولكن طبيعة اليهود في التلكؤ والمماطلة والجدال جعلتهم يسألونه عن عمر البقرة أولاً، ثم عن لونها ثانياً، ثم عن عملها ثالثاً، وأخيراً ذبحوها وما كادوا يفعلون، وأمروا بضرب القتيل ببعضها فضرب، فأحياه الله فأخبر عن قاتله وقال: قتلني فلان، ثم قيل: إنه قد مات في وسط دهشة بني إسرائيل.
وهذه القصة ولا شك من القصص العظيمة التي قصها علينا ربنا في القرآن الكريم عن بني إسرائيل لنأخذ منها العبرة والعظة.
وهذه القصة لا شك قد اكتنفتها إسرائيليات، وجاءت في بعض تفاصيلها أخبار، لكننا على الموقف السابق لا نحتاج إلى هذه التفصيلات؛ لأنه لو كان لنا فيها خير وفائدة لذكرها ربنا عز وجل، فنحن لا نستفيد شيئاً إذا عرفنا أن البعض الذي ضرب منه القتيل من البقرة هو الذَّنب أو غضروف الكتف، أو الرجل، أو الرأس، هذا التفصيل لا يفيدنا، فإن كان ورد في بعض الإسرائيليات فإننا في غنية عنه.
هذه القصة توضح بجلاء تنطع بني إسرائيل وتشددهم في الأحكام، وكيف أن الله شدد عليهم، وقد كره لنا كثرة السؤال.

أسلوب القرآن في عرض القصة

وجاءت هذه القصة بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب، ويحرك الفكر في النظر إليها تحريكاً، ويهز النفس للاعتبار بها هزاً، وقال الله تعالى فيها: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة:72] هذا ذكرت فيه المخالفة أو الاختلاف (فادارأتم فيها) ثم المنة في الخلاصة بقوله فقلنا: (فاضربوه ببعضها) ولكن وسيلة الخلاص من هذه الاتهامات وهذا اللغط، الوسيلة ذكرت قبل السبب الذي من أجله أمروا بذبح البقرة، فإننا أول ما نطالع الآيات: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] نحن لا نعرف لماذا في البداية، لكن عندما نقرأ التكملة: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة:72] ثم قال: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة:73] عرفنا السبب الذي من أجله أمروا بذبح البقرة.
فإذاً: تقديم ذبح البقرة كان فيه تشويق للسامع إلى معرفة ما وراء القصة، وما هو السبب الذي من أجله أمروا بذبح البقرة، ثم يفاجأ الشخص وهو يقرأ بحكاية السبب، وقد حصل عنده تشويقٌ سابق لمعرفة السبب الذي من أجله أمروا بذبح البقرة، فتتوجه الفكرة بأجمعها لتلقي ذلك، وتظهر الحكمة في أمر الله تعالى لأمةٍ من الأمم بذبح بقرة خفية.

تنطعهم في تنفيذ الأوامر

وظاهر الأمر أن نبيهم موسى عليه السلام أمرهم بذبح بقرةٍ غير معينة، ولكنهم تنطعوا وتشددوا فشدد الله عليهم، فقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] أي بقرة كانت، وكونهم بحثوا في صفاتها تكلفاً منهم، كان ينبغي لهم أن يتنزهوا عنه، وأن يمتثلوا الأمر بذبح البقرة، ولو كان هناك صفة معينة في هذا لذكرها لهم ربهم على لسان نبيهم، ولذلك عنفهم الله تعالى بقوله: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة:68] ، وفي قوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] وعلمنا تقصيرهم في الإتيان بما أمروا به أولاً، وجاء عن ابن عباس بإسنادٍ صحيح أنه قال: [لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأت منهم، لكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم] وقد كانوا محتاجين إلى ذبح البقرة لمعرفة القاتل، والله تعالى لم يذكر لهم صفة معينة في أول الأمر، فدل ذلك على أنه يجزئ أي بقرة، ولو كان البيان متعيناً لجاء، إذ لا يجوز من الله أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، فكلفوا في البداية بذبح أية بقرة كانت، وثانياً كلفوا ألا تكون لا فارضٌ ولا بكر، بل عوان بين ذلك، فلما لم يفعلوا كلفوا أن تكون بقرة صفراء، فلما لم يفعلوا كلفوا أن تكون لا ذلول، تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كلما تشددوا في السؤال، شدد الله عليهم بصفات إضافية في هذه البقرة.
ولما أمرهم بذبح البقرة قالوا له: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:67] يعني: أتجعلنا مكاناً للهزأ والسخرية؟ أتهزأ بنا؟ أتتخذنا سخريةً؟

سوء أدبهم مع نبي الله عليه السلام

بهذا يواجهون نبيهم، نبي يأمرهم بأمر يقولون: أتهزأ بنا؟ أتسخر منا؟ هل هذا خطاب يليق بنبي؟ هل هذا أدب ينبغي للنبي؟ هذا من شأن بني إسرائيل الذين تمردوا على نبيهم، وظنوا أنه يلاعبهم، ظنوا أنه يهزأ بهم، وأشعر جوابهم هذا ما ثبت من فضاضتهم وسوء أدبهم، ولذلك رد موسى عليهم بقوله: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] لأن الاستهزاء في أثناء التبليغ لا يليق بنبي، كيف يهزأ نبي وهو يبلغ قومه؟! كيف يجعل في التبليغ مجالاً للسخرية والاستهزاء والمزاح والضحك والعبث؟! لا يمكن، ولذلك تجلى سوء أدبهم، لما قالوا له: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:67] .
وفي قول موسى: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] فائدة بديعة في دفاع الداعية عن نفسه إذا اتهم بشيءٍ باطل، وهذا الهزأ في أثناء تبليغ أمر الله تعالى جهلٌ وسفه نفاه موسى عن نفسه، وأكد أنه جاد غاية التأكيد، وقال: أعوذ بالله، ألتجئ وأعتصم به أن أكون من الجاهلين الذين يتقدمون في الأمور بغير علم، فرموا موسى بالسفه والجهالة، ودافع موسى عليه السلام عن نفسه، وقال: ألتجئ إلى الله وأعتصم بتأديبه إياي من الجهالة والهزأ بالناس.
وكان موسى عليه السلام حكيماً لما قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة:67] لم يقل: أنا آمركم، أو اذبحوا بقرة؛ لأن موسى يعلم طبيعة هؤلاء القوم، ويعلم تلكؤهم وتباطؤهم وتمردهم، ولذلك قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة:67] بيَّن لهم أن الأمر من الله حتى يقطع عليهم الطريق على التأخر في التنفيذ أو التحايل، ويقطع عليهم الطريق في المناقشة.
ربما قالوا له: إنما أتيت به من عند نفسك، هذا رأيك الشخصي أن نذبح بقرة، لكنه قال لهم بكلمات واضحة ومحددة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] وقوله: (بقرة) هذه نكرة في سياق الأمر تفيد العموم، اذبحوا أي بقرة، التنكير هنا يفيد العموم، لا يهم لونها ولا حجمها ولا عمرها، ولا عملها، ولا ثمنها، المهم أن تذبحوا بقرة، لكن اليهود قومٌ بهت، لم ينقادوا للأمر ولم ينفذوه فوراً، ولم يطيعوا الله ورسوله، وأنى لهم أن يفعلوا ذلك؟ فلذلك بدلاً من أن يوقروا نبيهم وينفذوا أمره، تواقحوا عليه وأساءوا الأدب واعترضوا قائلين: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:67] وكأنهم يقولون: عجيب! ما هي الصلة بين ذبح البقرة وبين كشف هوية القاتل؟ نحن جئناك في حل قضيتنا نريد أن نعرف القاتل، وبما أنك نبي تعلم الغيب بإذن الله فأخبرنا من هو القاتل، ثم أنت تطلب منا أن نذبح بقرة بدلاً من أن تكشف لنا عن القاتل؟! وهذا طلبٌ مريبٌ يدل على أنك تريد أن تتخذنا هزواً.

خطورة الاستهزاء والمزاح في الأمور الدينية

أولاً: هذه طبيعة نفسية بني إسرائيل، يعتبرون أمر الله تعالى نوعاً من الهزأ والسخرية، وثانياً: يظنون أنه بهذا الطلب يريد أن يشغلهم عن قضيتهم الأساسية لمعرفة القتيل، وثالثاً: يظنون أن موسى الجاد عليه السلام الذي هو من أولي العزم من الرسل يظنون أنه يسخر ويهزأ ويلعب من خلال الأوامر التي يوجهها لهم، وهذا يشبه ما فعله قوم إبراهيم لما قالوا له: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء:55] ونفى موسى التهمة عن نفسه، وقال: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] وهذا دليل على أن السخرية والاستهزاء جهل.
وفيه فائدة تربوية مهمة: وهي أن الإفراط في المزاح وعدم الجدية من الجهل.
وأن الشخص المزاح اللعوب الذي يكثر السخرية والاستهزاء إنسانٌ جاهل، وبذلك نعلم أيضاً من هذه الآية خطورة الاستهزاء والطرف التي يرويها بعض الناس التي يسمونها نكتاً في قضايا عقدية أو شرعية، وأن هذا أمرٌ خطير يؤدي إلى الكفر والخروج عن الملة، كما ينسب بعضهم الجنة والنار ويعملون (نكت) وطرائف على بعض أحكام الشريعة.
وكذلك نعلم أن الذين حولوا حياتهم وحياة الآخرين إلى ضحكٍ دائم فيما يسمونه (بالكوميديا) اليوم، ويعملون لها مسرحيات وأفلاماً ويكون هم الشخص هو الضحك واللعب، يتبين لنا أن هؤلاء الناس من الجاهلين.
وكذلك يتبين أن المسلم الصادق جاد وملتزم، قد يمزح ولكنه لا يقول إلا حقاً، وقد يضحك ولكن بأدبٍ ووقار، وليس المعنى تحريم الضحك أو المزاح، بل إن المقصود هو منع تحويل الحياة إلى ضحكٍ كلها ومزاحٍ وعدم الجدية، فإن المسلم الجاد لا يرضى أن يكون من الجاهلين.

فائدة أصولية في باب الأمر

وفي قوله: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة:68] دليلٌ لما ذهب إليه أهل العلم من أن الأمر يقتضي الوجوب، أي أمر في القرآن والسنة يقتضي الوجوب إلا أن يصرفه صارف عن الوجوب إلى الاستحباب، وهذا هو الصحيح في أصول الفقه.
وكذلك من هذه الآية يستدل أيضاً على قاعدة أصولية أخرى تتعلق بالأمر، وهي: الأمر على الفور لا على التراخي، فإذا أمرنا بشيء يجب أن ننفذ فوراً، وهذه حجة من ذهب من العلماء إلى أن الواجب الحج فوراً: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا) أول ما تتمكن تحج، لا يجوز لك التأخير بدون عذر، فإذاً الأمر يفيد الوجوب، والأمر على الفور لا على التراخي، وهذا مذهب أكثر الفقهاء، لكن هل هم نفذوا على الفور؟

الجواب
 لا.

مواصلة العناد وزيادة التشديد عليهم

قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:69] انتقلوا إلى السؤال عن اللون، كان السؤال الأول عن عمر البقرة، الآن صار السؤال عن اللون، دائماً اللجاجة تقود إلى سؤالٍ جديد، فالذي لا يريد الحق دائماً يخرج لك أسئلة جديدة، والذي من طبيعته التلكؤ والنكوص يخرج أسئلة جديدة.
كانوا يزعمون أن الإبهام في الأمر الذي أمروا به في العمر، فإذا بهم الآن يرونه إبهاماً من وجهٍ آخر، ويقولون: إننا لا نعرف ما لونها، ما اللون المطلوب؟ وكأنهم يقولون: لو عرفنا اللون ذبحناها، ما لونها؟ {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:69] .
فلما شددوا شدد الله عليهم، ووضعهم في ضيقٍ أشد، فأمرهم بذبح بقرةٍ صفراء فاقع لونها مع أن اللون الأصفر الفاقع في البقر نادر، لكن لما شددوا شدد الله عليهم، ولعل أهلها لا يبيعونها إلا بثمن مرتفع -هذه البقرة الصفراء الفاقع لونها التي تسر الناظرين- ولا شك أن هذا من التضييق عليهم.
قال لهم: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] والفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه، ويقال في التوكيد: أصفر فاقع، وأسود حالك، وأبيض يقق، وأحمر قانٍ، وأخضر ناظر، فالمقصود في قوله: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] يعني: شديدة الصفرة، نقية ما فيها إلا اللون الأصفر، ولا شعرة إلا صفراء، {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] يعجب الناظرون إليها، حتى إن جمهور المفسرين أشاروا إلى أن الصفرة من الألوان السارة، ولذلك قالوا في أحكام المعتدة: إنها تترك الزينة في الذهب والحلي والملابس الجميلة، فقالوا: تترك الملابس الصفراء والحمراء.
إلخ، فيعتبرونه من الألوان السارة (تسر الناظرين) حتى إن بعضهم ربما كان يلبس الأصفر من النعال، ويقول: اتركوا لبس النعال السود لأنها تغم، فاللون الأسود قد يدل على الغم، ولكن الأصفر يدل على السرور، فهو لونٌ جميل محببٌ إلى النفوس.
ومحبة الألوان الجميلة ليس مما ينافي الشريعة سواء كان حيواناً، أو فاكهةً، أو طعاماً، أو لباساً، أو أثاثاً، فالشريعة لا تحرم الاهتمام بالألوان الجميلة، لكن الفنون الجميلة هذه مما ينبغي أن تضع تحتها خطوطاً حمراء؛ لأنهم قد شغلوا بها عباد الله عن ذكر الله وسموها (فنون جميلة) وصار الواحد ينفق في الساعات والأيام والشهور في لوحة يرسمها ويتعب فيها، ويقولون: هذه أشياء تشجع عليها الشريعة والفن الإسلامي، قاتلهم الله! أشغلوا الناس عن ذكر الله بالفنون الجميلة.
الشريعة لا تحرم أن تستمع وأن تمتع ناظريك ونفسك بالأزهار وألوانها، وتتأمل فيما خلق الله، وأن تسبح ربك على هذه الخلقة التي تسر الناظرين، لكن إنفاق الأوقات والنحت والتصوير والرسم بدعوى أن هذه فنون جميلة والإسلام لا يحرم الفنون الجميلة، وليس للإسلام موقف من الفنون الجميلة، فأشغلوا الناس عن ذكر الله بهذه الهوايات السخيفة الفارغة المضيعة للأوقات.
نعود إلى قصتنا: لما بين لهم أنها بقرة صفراء فاقعٌ لونها، هل نفذوا ذلك؟ وهل سارعوا إلى ذبحها؟

الجواب
 لا.
بل إنهم عمدوا إلى سؤال ثالث في مشوارهم من المماطلة والتلكؤ والتباطؤ عن تنفيذ أوامر الله.

ذبح البقرة وما كان بعدها

بعدما انتهت قضية شروط البقرة وذبح البقرة أعلمنا الله لماذا أمروا بذبحها، وهذا تشويق في القصة، وجذب الانتباه، أنه أتى بالسبب ثم أتى بالقضية الأصلية: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:72] هذا أول القصة، حصل أولاً القتل للشخص ثم تنازع فيه الناس، فأراد الله أن يكشف الحقيقة، فأمرهم بذبح البقرة؛ ليضربوه ببعضها فيحيا القتيل فيخبر عن قاتله، ومعنى قوله تعالى: (فادارأتم فيها) يعني: تدافعتم خصام واتهام، كل واحد يدرأ عن نفسه التهمة ويلقيها على الآخر، يدعي براءة نفسه ويتهم غيره، والله تعالى يريد فضح سر القاتل والعارفين به، ولذلك قال: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:72] لأنكم تريدون التغطية على القاتل والإيقاع بقومٍ أبرياء تتهمونهم بالقتل لإخفاء القاتل الحقيقي والله لا يخفى عليه مكركم، {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:72] .

الجواب
=6000079>فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:73] (اضربوه ببعضها) قلنا: إنه ورد في الإسرائيليات ذكرٌ لهذا البعض الذي أمروا أن يضربوه به، لكن ماذا يفيدنا لو عرفنا؟ وماذا يضرنا لو لم نعرف؟ لا يضرنا شيء، ولذلك ما ذكره الله لنا، ولو كان فيه منفعة لنا لذكره لنا ربنا، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله، فكان في ضربه حكمة بالغة في تقديم دليل واضح على بعث الله للناس بعد الموت، وأن الله قد بعث لكم أحد الأموات، فهو قادر على أن يبعث الأموات كلهم إذا ماتوا، {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة:73] .
فإذاً الكلام فيه حذفٌ وتقدير، (فقلنا اضربوه ببعضها) فأحياه الله (كذلك يحيى الله الموتى) مثلما أحيا هذا الشخص، (ويريكم آياته) علاماته الدالة على كمال قدرته.
فإن قال قائل: لِمَ لم تقص القصة على ترتيبها، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل أولاً، والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها، وأن يقال: وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها؟ لكن لا شك أن في تقديم هذا وتأخير ذلك بلاغة واضحة في شد الانتباه والتشويق كما ذكرنا، وأنه أراد أن يظهر تباطؤ اليهود وتلكؤهم وتقاعسهم ويقرعهم على هذا الاستهزاء وترك المسارعة للامتثال، وأن هذه القضية أخطر من قضية التدارؤ في قتل هذا الشخص؛ لأن المبدأ يعني عدم تنفيذ الأوامر، هذه خطيرة، فكأنه قدم القصة المتعلقة بها على القصة المتعلقة بإحياء القتيل؛ لأن هذه المشكلة أكبر وينبغي بيانها وإيضاحها، وربما يكون تقديمها من هذه الجهة أحسن وأبلغ، وكأنه ذكر لنا قصتان: قصة التلكؤ وقصة القتيل، بينما لو ذكرت بالعكس لكانت قصة واحدة، فهو سبحانه وتعالى وصل لنا القصة الأولى بالثانية في قوله: {اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة:73] لما وحد الضمير، لكن لما ذكر ذلك أولاً ثم هذه ثانياً، {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [البقرة:72] وذكرها بعد: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] صارت كأنها قصتان، كل قصة لها مغزى، أبلغ من أن تكون قصة واحدة.
وعلى أية حال في القرآن أسرارٌ كثيرة قد تخفى، ويعلم كثيراً منها أهل العلم.

لقسم : محاضرات مفرغة
الكتاب : سلسلة القصص
المؤلف : محمد صالح المنجد
مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
[الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 18 درسا

قصة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام لـ هرقل ودعوته إلى الإسلام


قصة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام لـ هرقل ودعوته إلى الإسلام.

قصة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام لـ هرقل ودعوته إلى الإسلام

هرقل يسأل وأبو سفيان يجيب
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الله بن عباس: (أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش؛ وكانوا تِجَاراً بـ الشام في المدة التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش ... ) هرقل جاءته رسالة النبي عليه الصلاة والسلام فأراد أناساً من قوم النبي عليه الصلاة والسلام؛ ليسأل عن حاله، فعُثِر على أبي سفيان وكان مشركاً مع بعضٍ من كفار قريش؛ وقد كانوا تُجَّاراً بـ الشام، فأُتِي بهم إلى هرقل.
قال: (.
فأتوه وهم بـ إيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً.
فقال: أدنوه مني، وقرِّبوا أصحابَه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائلٌ هذا عن هذا الرجل، فإن كَذَبني فكذِّبوه ... ) سأسأل صاحبكم الذي يجلس أمامكم وهو أبو سفيان عن صاحبكم، الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام، فإن كَذَب في الإجابة فبيِّنوا لي أنه قد كَذَب.
(يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثِروا عليَّ كذباً لكذبت عنه.
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب.
قال: فهل قال هذا القول منكم أحدٌ قط قبلَه؟ قلت: لا.
قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا.
قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم.
قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون.
قال: فهل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.
قال: فهل يغدِر؟ قلت: لا.
ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعلٌ فيها -نحن الآن في مرحلة صلح الحديبية في هدنة معه لا ندري ماذا يفعل فيها؟ - قال أبو سفيان: ولم تُمْكِني كلمةٌ أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة) أي: ما استطعت أن أدخل دسيسة في الجواب إلا في هذا الموضع.
(قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم.
قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال -يعني: تناوب في الانتصار، مرة لنا ومرة له- ينال منا وننال منه.
قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف والصلة) .
(فقال للترجمان - هرقل يقول للترجمان الذي يترجم من لغة إلى أخرى-: قل له - لـ أبي سفيان -: سألتك عن نسبه؟ فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ -يعني: من قبل- فذكرتَ أن لا، فقلت: لو كان أحدٌ قال هذا القول قبله لقلتُ رجلٌ يتأسى بقول قيل قبله) أي: مقلد، لكن ما أحد قال هذا الكلام قبله.
(وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرتَ أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجلٌ يطلب ملك أبيه) سبب هذه الدعوة أنه يطالب بملك أبيه، لكن ليس من آبائه من ملك.
(وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرتَ أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله) يعني: هرقل متأكد من أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق.
(وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرتَ أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل) هرقل يعرف أن أتباع الرسل هم الضعفاء.
(وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم -يعني: يبدأ غريباً ثم ينتشر-.
وسألتك: أيرتد أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
وسألتك: هل يغدِر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدِر.
وسألتك: بِمَ يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيَمْلِك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارجٌ، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخْلُص إليه لتجشَّمتُ لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه) .
نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل
دعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم.
سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام -يعني: دعوة الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله- أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين -وهم الفلاحون الذين كانوا من رعايا هرقل - و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] .
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب -أي: الأصوات المختلطة المرتفعة- وارتفعت الأصوات، وأُخْرِجنا.
فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة -لقد عَظُم أمر محمد صلى الله عليه وسلم- إنه يخافه ملك بني الأصفر - أبو سفيان يقول: هرقل؛ هذا ملك الروم يخاف محمداً! صلى الله عليه وسلم (فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام) .
(وكان ابن الناظور أو ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سُقُفَّاً على نصارى الشام) ابن الناطور وهرقل كانا من علماء النصارى بالدين، وكانا زميلين في الدين النصراني.
(وكان ابن الناطور -صاحب إيلياء وهرقل - سُقُفَّاً على نصارى الشام يحدِّث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته -يعني: الرجال الكبار عنده-: قد استنكرنا هيئتك.
قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرتُ في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟) أي: لما سألوه: ما بالك مهموماً؟ قال: رأيت ملك الختان قد ظهر، انظروا من يختتن في العالم في الناس؟! من يختتن؟! (قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمك شأنهم، واكتب إلى المدن في ملكك فيقتلوا مَن فيها مِن اليهود.
فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجلٍ أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ -الرسول هذا الذي جاء برسالة من محمد صلى الله عليه وسلم انظروا هل هو مختتن أم لا؟ - فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن.
وسأله عن العرب.
فقال: هم يختتنون.
فقال هرقل: هذا مُلْك هذه الأمة قد ظهر.
ثم كتب هرقل إلى صاحب له بـ رومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص فلم يرِم حمصاً حتى أتاه كتاب من صاحبه -الذي في رومية - يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بـ حمص -بناء كالقصر أمر بأن يُدخلوا إليه- ثم أمر بأبوابها فغلِّقت، ثم اطَّلع - هرقل اطَّلع على كل الكبراء الذين أدخلوا- فقال: يا معشر الروم! هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصةَ حُمُر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غُلِّقت -اضطربوا وتدافعوا إلى الأبواب- فلما رأى هرقل نفرتهم وأَيِس من الإيمان قال: ردوهم عليَّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل) .
هذه القصة التي رواها البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، وكذلك رواها مسلم رحمه الله، والحديث عند الترمذي وأبي داود وأحمد في سياقات مختلفة.
هرقل يرسل رسولاً إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم
وهناك رواية ساقها الإمام أحمد رحمه الله فيها مزيد من التوضيح لبعض الظروف التي حصلت في الخطاب النبوي إلى هرقل، يقول فيه سعيد بن أبي راشد مولى لآل معاوية: (قدمت إلى الشام فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فدخلنا الكنيسة فإذا أنا بشيخ كبير، فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
قلت: حدثني عن ذلك، قال: إنه لما غزا تبوك كتب إلى قيصر كتاباً وبعث به مع رجل يقال له: دحية بن خليفة الكلبي، فلما قرأ كتابه -لما قرأ هرقل كتاب النبي عليه الصلاة والسلام ورسالته- وضعه معه على سريره، وبعث إلى بطارقته) إلى رجال الكنيسة، ومفردها: بطريق (ورءوس أصحابه) عظماء القوم، قادة الجيوش، الأمراء، وقادة الألوية (فقال: إن هذا الرجل قد بعث إليكم رسولاً، وكتب إليكم كتاباً يخيركم إحدى ثلاث: - إما أن تتبعوه على دينه.
- أو تقروا له بخَراجٍ يجري له عليكم ويقركم على هيئتكم في بلادكم.
- أو أن تلقوا إليه بالحرب.
قال: فنخروا نخرةً) النخير: هو صوت الأنف، والمراد الغضب والفوران المعبر عن النفور (فنخروا نخرةً حتى خرج بعضهم من برانسهم) والبرنس: هو الثوب الذي يلتصق به غطاء الرأس، مثل: لباس المغاربة اليوم (حتى خرج بعضهم من برانسهم، وقالوا: لا نتبعه على دينه ونَدَع ديننا ودين آبائنا، ولا نقر له بخراج يجري له علينا، ولكن نُلقي إليه الحرب.
فقال: قد كان ذاك، ولكني كرهتُ أن أفتات دونكم بأمرٍ.
قال عباد: فقلت لـ ابن خثيم: أو ليس كان قارب وهمَّ بالإسلام فيما بَلَغَنا) يعني: هرقل، ما كاد يسلم؟ (قال: بلى.
لولا أنه رأى منهم، فقال: أُبغوني رجلاً من العرب أكتب معه إليه جواب كتابه) أي: التمسوا لي رسولاً أكتب معه جواب كتابه.
(قال: فأتيت وأنا شاب فانطُلق بي إليه فكتب جوابه وقال لي: مهما نسيت من شيء فاحفظ عني ثلاث خلال) يقول هرقل لرسوله: إذا ذهبت إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- أعطه كتابي ورسالتي، وإذا نسيتَ فلا تنسَ هذه الأشياء: (انظر إذا هو قرأ كتابي هل يذكر الليل والنهار؟ وهل يذكر كتابه إليَّ؟ وانظر! هل ترى في ظهره عَلَماً؟) .
رسول هرقل يقابل رسول الله
(قال - رسول هرقل -: فأقبلت حتى أتيته وهو بـ تبوك في حلقة من أصحابه محتبين فسألت فأُخبرت به، فدفعت إليه الكتاب -رسالة هرقل - فدعا معاوية -وكان من كتاب الوحي، ممن يعرفون القراءة، وقد أسلم رضي الله عنه- فقرأ عليه الكتاب، فلما أتى على قوله: دعوتَني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟) هرقل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً: دعوتَني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الليل فأين النهار؟) يعني: هذا رد على الشبهة، يقول: إذا جاء الليل فأين النهار؟ أين يذهب النهار؟ (قال: فقال: إني قد كتبت إلى النجاشي فخرَّقه فخرَّقه الله مخرّق المُلك.
قال عبَّاد: فقلت لـ ابن خثيم: أليس قد أسلم النجاشي ونعاه رسول الله عليه الصلاة والسلام بـ المدينة إلى أصحابه فصلى عليه؟ قال: بلى.
ذاك فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، قد ذكره ابن خثيم جميعاً ونسيتهما ... ) يعني: أن كلمة النجاشي لقب ملك الحبشة، كل مَن ملَك الحبشة يقال له: نجاشي، كل مَن ملَك الروم يقال له قيصر، كل مَن ملَك الفرس يقال له: كسرى، كل مَن ملَك اليمن يقال له: تُبَّع، كل مَن ملَك مصر يقال له: فرعون، كل مَن ملَك الإسكندرية يقال له: المقوقس، كل مَن ملَك الترك يقال له: خاقان، فكلمة ملك بالحبشية: نجاشي، بالمصرية: فرعون، بالإسكندرانية: مقوقس، بالتركية: خاقان، بالفارسية: كسرى، بالرومية: قيصر، لكن القياصرة لهم أسماء مختلفة، الفراعنة لهم أسماء مختلفة، والنجاشي هكذا أيضاً.
فيقول له: النجاشي الذي أرسلت إليه الرسالة غير النجاشي الذي أسلم، ملكٌ آخر من ملوك الحبشة، هذا المقصود.
قيصر ملك الروم الذي أرسلت إليه الرسالة ما اسمه؟ اسمه هرقل، وهو الذي نحن بصدده.
كسرى أنوشروان، له اسم، كسرى هذا لقب، معناه: مَلِك، مَلِك الفرس.
(.
وكتبتُ إلى كسرى كتاباً فمزَّقه فمزق الله ملكه -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- وكتبتُ إلى قيصر كتاباً فأجابني فيه، فلم تزل الناس يخشون منهم بأساً ما كان في العيش خيرٌ ... ) يقول: الحبشة لن تقوم لهم قائمة، ولن يوجد فيهم مُلكٌ قائم، وسيمزقهم الله لأنهم مزقوا الرسالة، ويقول: دولة فارس لن تقوم فيها مملكة لفارس ولن يحكموها ولن يدوم لهم الحكم، والله سيمزق ملك فارس كما أنهم مزقوا الرسالة، لكن يقول: هرقل ما مزق الرسالة، فسيبقى في الروم قوة.
والناظر في الواقع يرى هذا جيداً، بعد كسرى تمزقت مملكة فارس، ما عاد هناك مِن مَلِك، كلها ثورات وحروب.
وكذلك الحبشة لم يعد لها شأن، وصاروا أناساً متخلفين.
والروم؟ اليوم أوروبا ما زال لهم قوة إلى الآن، والحروب الصليبية لا زالت موجودة إلى الآن.
قال: (.
وكتبت إلى قيصر كتاباً فأجابني فيه، فلم تزل الناس يخشون منهم بأساً ما كان في العيش خيرٌ، ثم قال لي: مَن أين أنت؟ قلت: من تنوخ -رسول هرقل تنوخي- قال: يا أخا تنوخ! هل لك في الإسلام؟ قلت: لا.
إني أقبلتُ من قِبَل قوم وأنا فيهم على ديني ولست مستبدِلاً بدينهم حتى أرجع إليهم، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تبسم، فلما قضيت حاجتي قمتُ، فلما وليت دعاني، فقال: يا أخا تنوخ! هلمَّ فامضِ للذي أُمِرْتَ به -صاحبك أمرك بثلاثة أشياء، وأنت وجدت اثنتين، والثالثة ما أخذت خَبَرها، ما هي الثالثة؟ علامة الظهر- قال: هلمَّ فامضِ للذي أُمِرْتَ به، قال: وكنت قد نسيتُها فاستدرت من وراء الحلقة، ويلقى بردة كانت على ظهره -أو يلقيها عن ظهره- فرأيت غضروف كتفه مثل المحجم الضخم) المحجم: المشرط الذي يشق به موضع الحجامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفه مجموعة عظام مثل هيئة بيضة الحمامة، خاتم النبوة، مستدير، بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، كان جميلاً موقعه، جميلاً شكله، وليس بعاهة ولا تشويه.
هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد في سندها رجل مقبول، فذكر نحو حديث عبَّاد بن عبَّاد؛ وحديث عبَّاد أتم وأحسن، وزاد فقال: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام، فأبى أن يسلم وتلا هذه الآية: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) [القصص:56] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك رسول قوم، وإن لك حقاً -يعني: لا بد أن نكرمك ونضيفك-ولكن جئتنا ونحن مُرْمِلون -يعني: نفذ زادنا في تبوك - فقال عثمان بن عفان: أنا أكسوه حلة صَفُورية -ثوب من قطعتين- وقال رجل من الأنصار: عليَّ ضيافته، يعني: أنا أتكفل بضيافة هذا الرسول) .
وقد أورده الحافظ ابن كثير في تاريخه وعزاه إلى الإمام أحمد، ثم قال: هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به، تفرد به الإمام أحمد رحمه الله.
وأورده الهيثمي وقال: رواه عبد الله بن أحمد وأبو يعلى ورجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك.
وهناك قصة أخرى تبين أشياء أخرى من التفاصيل رواها الحاكم في المستدرك، وذكرها ابن كثير رحمه الله في تفسيره تحت قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ.
} [الأعراف:157] الآية.
رواية أخرى عند البيهقي في دعوة هرقل للإسلام
يقول: عن هشام بن العاص الأموي قال: [بُعِثْتُ أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطه -يعني: غوطة دمشق - فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني.
] والغساسنة عرب، لكن ولاؤهم للروم، وكان الروم قد وضعوا الغساسنة على حدود الجزيرة بينهم وبين العرب، حتى لا يدخل العرب بغاراتهم في بلاد الروم، والغساسنة يكفُون الروم العرب على الحدود، والروم لا يطمعون في أرضهم؛ لأنها صحراء قاحلة.
لقسم : محاضرات مفرغة
الكتاب : سلسلة القصص
المؤلف : محمد صالح المنجد
مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
[الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 18 درسا

جميع الحقوق محفوظة Myhassoub ©2010-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy| إتصل بنا